لم نر رئيس حكومة أو حتي وزيراً واحداً يقف في البرلمان عندما يوجه إليه استجواب أو طلب إحاطة أو سؤال ويملك الشجاعة ويعترف بالخطأ وكأنه عار عليه أن يعترف بالاهمال والقصور أو يقر بوجود فساد في وزارته أو علي أقل تقدير يعترف بأنه أخطأ!
فهل يتصور رئيس الحكومة أو الوزير أو المسئول أنه بعدم اعترافه بالخطأ يضمن البقاء والخلود.. أم أنه يخشي من مواجهة الحقيقة المرة ويتصور أن الاعتراف بالخطأ عار وهزيمة وخسران مبين وبداية سقوط وزارته!!
وفي الاستجوابات الأخيرة لرئيس الحكومة وعدد من الوزراء حول كارثة غرق العبارة السلام 98 والبطالة والفساد.. لم يقدم وزير واحد دليلاً علي براءته.. بل علي العكس.. يصر علي أنه لم يخطيء ولم يسمح لنفسه أن يقدم حتي اعتذاراً شفهياً أو مكتوباً أو يلوم نفسه علي لحظة تقصير أو إهمال.. ويستحيل أن يعترف بأن هناك خللاً ما سوف يعالجه!
** لقد اعتاد المواطن المصري ألا يري وزيراً أو مسئولاً يخطيء وهو جالس علي الكرسي وإنما يظهر الخطأ دائماً بعد أن يترك مقعده وبعد أن يدفع الشعب والبلد الثمن غالياً وباهظا نتيجة عدم تصحيح الخطأ أو تداركه في الوقت المناسب.. والعجيب عندما يترك الوزير مقعده تراه شجاعاً في قول الحق الذي أخفاه وطمس معالمه طيلة فترة وجوده في موقع السلطة!
** وكم من رؤساء حكومات ووزراء نراهم بعد احالتهم للمعاش أو إقالتهم يوجهون انتقادات عنيفة للحكومة الحالية علي أخطائها مع أنهم مارسوا نفس الخطأ دون الاعتراف به أو تصحيحه وهم في الحكم.. والأكثر دهشة أن كل رئيس حكومة ووزير يقول أننا قد ورثنا تركة مثقلة بالهموم والمشاكل من أخطاء الحكومات السابقة!! وأصبحنا نري حكومة حالية تتهم حكومة سابقة.. وتحولت إلي عادة سيئة وللأسف تفاعلنا معها وكررناها وتكون النتيجة مضاعفة الأخطاء والمشاكل والتراكمات وهذا يحدث في كل مجالات حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والصحية والتعليمية!
** تصوروا.. الأنبياء يخطئون.. بينما الوزراء والمسئولون في بلدنا يتصورون ويصرون علي أنهم ليسوا علي خطأ!!
** انظروا إلي الدول الديمقراطية.. كيف تعترف حكوماتها بالأخطاء ويعتذرون عنها أو يتقدمون باستقالاتهم للتكفير عما ارتكبوه في حق شعوبهم.. أما في بلادنا العربية فنحن معصومون من الخطأ طوال مدة التواجد في السلطة.. وبعد أن يذهب بريق السلطة والنفوذ والجاه.. تظهر الأخطاء وتبدأ الاعترافات وتنهال الاتهامات.
** وأتذكر ما كتبه مرة كاتبنا العظيم الراحل صلاح حافظ عندما قال "إن اليوم الذي نسمع فيه حكومة مصرية تقول إنها أخطأت سيكون أول يوم تلحق به مصر بالقرن الواحد والعشرين" فهل يفعلها الدكتور أحمد نظيف رئيس حكومة مصر الآن أو أي وزير في وزارته ولو مرة واحدة ليؤكد مقولة صلاح حافظ الذي مات ولم تتحقق أمنيته.. أم أنه سيستمر علي سياسة "كله تمام.. وكل شيء علي ما يرام.. وكل الأمور عال العال"..
يوم النكسة..!!
** من أسوأ الأيام التي تمر أمامي في كل يوم وأتذكره بكل حسرة وأسي هو 5 يونيو والذي يذكرني بنكسة ..67 فهي لم تكن هزيمة عسكرية فقط ولكنها كانت في حقيقتها تحمل كل الهزائم والنكسات الفكرية والثقافية والحضارية وكل ألوان التعذيب والقهر وإهدار كرامة المصري.. وكان يجب علي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي أحبه وأقدره ألا يتراجع عن قرار تنحيه الذي أعلنه بنفسه اعترافاً بمسئوليته عن هذه الهزيمة النكراء التي ألحقت بالمصريين والعرب العار والذل والهوان ولم نشعر بالكرامة إلا بعد انتصارات أكتوبر المجيد.
ولكن السؤال الكبير.. لو أن الرئيس عبدالناصر قد عاش بضع سنوات بعد النكسة.. هل سيكون لديه الشجاعة ليتخذ قرار الحرب كما اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات؟!
بصراحة.. أشك في ذلك لأن قرار الحرب صعب.. وقرار السلام أصعب.. وكلاهما لا يصدران إلا من زعيم شجاع جريء ومقاتل بمثل شخصية أنور السادات.
ا